الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
1260- مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري قال أبو عمر خالف أيوب السختياني مالكا في لفظ هذا الحديث عن نافع حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن السنبل حتى تبيض ويؤمن العاهة نهى البائع والمشتري. 1261- مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له يا رسول الله وما تزهي فقال ((حين تحمر)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه)). 1262- مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة قال مالك وبيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها من بيع الغرر. 1263- مالك عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أنه كان لا يبيع ثماره حتى تطلع الثريا قال أبو عمر في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها دليل واضح على أنه إذا بدا صلاحها جاز بيعها في رؤوس الأشجار وإن لم تضرم وعلى ذلك جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار إلا شيئا روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة - مولى بن عباس فإنهما قالا لا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل قبل أن تضرم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني قاسم بن محمد بن شعبان قال حدثني أبو شيبة داود بن إبراهيم قال حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثني عبد الله بن المبارك قال أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الرجل يبيع الثمر على رؤوس النخل قبل أن يضرمه أنه كرهه قال يحيى وكرهه عكرمة ورخص فيه سليمان بن يسار وقال بن المبارك. وحدثني خالد عن عكرمة مثله - يعني مثل قول أبي سلمة قال. وحدثني هشام بن حسان عن بن سيرين أنه لم ير به بأسا قال أبو عمر معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمر في هذا الباب حتى يبدو صلاحها يريد حتى تحمر أو تصفر وكذلك جعل مالك حديث أنس في هذا الباب بعد حديث بن عمر مفسرا له والله أعلم وذلك أيضا موجود في حديث جابر وغيره حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود حدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي قال حدثني يحيى بن سعيد عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقح أو تصفر ويؤكل منها وهذا معنى قوله حتى تزهي وحتى تزهو يقال منه زهت النخلة وأزهت إذا طاب ثمرها فلا يجوز بيع ثمر النخل حتى تزهي بصفرة أو حمرة ولا بأس أن يباع الحائط كله إذا زهت منه النخلة الواحدة وكان الطيب متتابعا. وأما سائر الثمار من التين والعنب والفواكة كلها فلا يباع صنف منها حتى يطيب أوله ويؤكل منه وإذا كان العنب أسود فجني فبدا فيه السواد وظهر وإن كان أبيض فحتى يتمزج ويصلح للأكل ولا يجوز بيع الزيتون في الشجر بطيب البكور منه حتى يطيب أول زيتون العصير ويكون طيبه متتابعا وإن كان في الحائط أنواع من الثمار فلا يباع صنف منها بطيب غيره حتى يطيب من كل صنف أوله فيباع ذلك الصنف بطيب أوله وهذا كله قول مالك وأصحابه وهو تحصيل مذهبه وأجازوا بيع الثمار قبل بدو صلاحها على شرط القطع لها مكانها كالفصيل والبقل والبلح والبسر وسنبين أقوال العلماء في هذا المعنى بعد - إن شاء الله تعالى. وأما حديث عمرة في هذا الباب لا تباع الثمار حتى تنجو من العاهة فالمعنى حتى تنجو من الجائحة وهذا في الأغلب وتفسير ذلك حديث زيد بن ثابت أنه كان لا يبيع ثماره حتى تطلع الثريا لأن طلوع الثريا صباحا إنما يكون في زمان طيب ثمار النخيل وبعد الآفة والعاهة عليها في الأغلب من أمرها وروى بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قال عثمان فسألت عبد الله بن عمر متى ذلك فقال طلوع الثريا وقد روى عسل بن سفيان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن أهل البلد)) وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في ((التمهيد)). قال أبو عمر طلوع الثريا صباحا عند أهل العلم فربما يكون لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار وهو ((ماي)) والنجم الثريا لا خلاف في ذلك وقوله للبلد يجوز أنه يريد البلاد التي فيها النخل ويجوز أن يريد الحجاز خاصة وقد اختلف السلف والخلف من العلماء في القول بالأحاديث المذكورة في أول هذا الباب وفي استعمالها على ظاهرها فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير انهما كانا يبيعان ثمارهما قبل بدو صلاحها وأنهما كانا يبيعان ثمارهما العام والعامين والأعوام رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي سمعه يقول وليت صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت محمود بن لبيد فسألته فقال قد كان عمر بن الخطاب ولي يتيما فكان يبيع ماله سنين وسفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب باع مال أسيد بن حضير ثلاث سنين وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله قال نهيت بن الزبير عن بيع النخل معاومة يعني سنتين وثلاثا وأكثر وما روي عن عمر وبن الزبير فلا يعلم أحدا من العلماء تابعهم على ذلك وإذا كان نهيه -عليه السلام- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها يمنع من بيعها قبل بدو صلاحها وبعد خلقها فما ظنك ببيع ما لم يخلق منها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل ونهى عن بيع المعاومة وعن بيع ما لم يخلق منها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين ويحتمل أن يكون بيع عمر وبن الزبير للثمار سنين - إن صح ذلك عنهما - أن ذلك على أن كل سنة منها على حدتها فيكون حينئذ كمذهب الكوفيين وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله تعالى ويحتمل أن يكون ذهبا إلى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها كان على ما ذكره زيد بن ثابت في حديث أبي الزناد وسنذكر ذلك بعد في هذا الباب بعون الله عز وجل وروى سفيان بن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وروى حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المعاومة وقال أيوب وقال أحدهما عن بيع السنين قال أبو عمر هذا في بيع الأعيان. وأما السلم الثابت في الذمة بالصفة المعلومة فجائز عاما وأعواما لحديث بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن بن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في السنتين والثلاث فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من سلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم وقد ذكرنا أحاديث هذا الباب بالأسانيد المتصلة كلها في ((التمهيد)) والحمد لله حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني حفص بن غياث عن أبي العوام البصري عن عطاء قال كان بن عباس يبيع من غلمانه النخل السنة والسنتين والثلاث فبعث إليه جابر أفعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخيل سنين قال بلى ولكن أما علمت أنه ليس بين العبد وبين سيده ربا واختلف العلماء في معنى نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فقالت طائفة ذلك على الندب والاستحسان ليس بنهي وجوب وتحريم فأجازوا بيعها إذا خلقت وظهرت وإن لم يبد صلاحها وممن ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال ((من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع)). قالوا فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراط الثمرة بعد الأبار وقد أخبر أنها للبائع علمنا أنها لم تدخل في صفقة بيع أصولها فلم يجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعا لها فيدخلها في الصفقة بغير شرط ولكنه أخبر أنها في حين تبع الأصول للبائع وأجاز المشتري اشتراطها في صفقة وما لم يدخل في الصفقة إلا بالاشتراط جاز بيعه منفردا فدل ذلك على جواز بيع الثمرة بعد الأبار قبل بدو صلاحها ودل ذلك على أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ما لم يكن منه صلى الله عليه وسلم على الإيجاب والتحريم وذكروا ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن صالح قال حدثني عنبسة بن خالد قال حدثني يونس بن يزيد قال سألت أبا الزناد عن بيع الثمار قبل بدو صلاحه وما ذكر من ذلك فقال كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن خيثمة عن زيد بن ثابت قال كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون قبل أن يبدو صلاحها فإذا جد الناس وحضر قاضيهم قال المبتاع قد أصاب الثمرة الدمان واصابه قشام ومراض عاهات يحتجون بها فلما كثرت خصومتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم قال كالمشورة يشير بها عليهم ((أما لا فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه)) لكثرة خصومتهم واختلافهم قالوا فهذا يدل على أن نهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ليس على الوجوب قال أبو عمر هذا الحديث لا يجيء إلا من هذا الوجه وظاهره الانقطاع لم يسمعه أبو الزناد عن عروة وهو معروف عن غيره وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن عمر وجابر وأنس وأبي هريرة وغيرهم أنه نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فوجب القول بذلك قال الله عز وجل (وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهكم عنه فانتهوا) [الحشر 7]. وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال سمعت بن عباس يقول لا يباع الثمر حتى يطعم وجملة قول أبي حنيفة وأصحابه في هذا الباب أنه جائز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إذا ظهرت في النخل والشجر واستبانت سواء أبر النخل قبل ذلك أو لم يؤبر وعلى المشتري عندهم ان يجذها ويقطعها ولا يتركها على أصول البائع وسواء اشترط عليه قطعها أو لم يشترط ما لم يشترط تركها إلى جذاذها فإن ابتاعها قبل بدو صلاحها او بعده واشترط تركها إلى الجذاذ فإن أبا حنيفة وأبا يوسف قالا البيع على ذلك فاسد وقال محمد بن الحسن إن كان صلاحها لم يبد فالبيع فاسد وإن كان قد بدا صلاحها واحمرت أو اصفرت وتناهى عظمها فالبيع جائز والشرط جائز. وقال مالك بن انس والليث بن سعد وسفيان الثوري والأوزاعي وبن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق لا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق لا يجوز إن باع الثمرة على القطع قبل بدو صلاحها جاز وكذلك الفصيل والفواكه كلها جائز عندهم بيعها قبل بدو صلاحها على أن يقطع مكانها فإن لم يشترط القطع مكانها فسد البيع فإن علم بذلك فسخ وأخذ صاحب الثمرة ثمرتها فإن كان قد جذها ردها إلى البائع وإن فاتت في يده غرم مكيلتها وإن أخذها رطبا غرم قيمتها وأبو حنيفة وأصحابه يجيزون بيعها قبل بدو صلاحها وإن لم يشترط القطع ما لم يشترط الترك لها إلى الجذاذ ويؤخر لقطعها على كل حال فإن اشترط الترك فسد البيع عندهم على ما ذكرنا عنهم قبل بدو صلاحها كان البيع عندهم أو بعد بدو صلاحها وعند مالك والشافعي واصحابهما والليث من اشترى الثمرة بعد بدو صلاحها فسواء شرط تبقيتها أو تركها إلى الجذاذ أو لم يشترط البيع صحيح قال مالك وعلى البائع سقي الثمر حتى يتم جذاذة وقطافه وقد روي عن الثوري وبن أبي ليلى أنه لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها على كل حال من الأحوال اشترط قطعها أو لم يشترط والأول اشهر عنهما أنه جائز بيعها على القطع قبل بدو صلاحها كالفصيل. وقال مالك فيما روى بن القاسم عنه لا بأس أن يباع الحائط وإن لم يره إذا أزهي ما حوله من الحيطان وكان الزمان قد أمنت فيه العاهة قال بن القاسم أحب إلي إلا يبيعه حتى يزهي لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا أراه حراما قال أبو عمر قول مالك صحيح على ما ذكرنا في أول هذا الباب من ذهاب العاهة بأول طلوع الثريا على ما في حديث زيد بن ثابت وليس فيه أنه أزهي حائطه قال مالك وإذا كان في الحائط أنواع من الثمار كالتين والعنب والرمان فطاب أول جنس منها تبع ذلك وجذه ولم يبع منه غيره ما لم يطب شيء منه وهو قول الشافعي. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس ((أرأيت إن منع الله الثمرة فيم يأخذ أحدكم مال أخيه)) فقد تنازع العلماء في وضع الجائحة عن المشتري إذا أصابت الثمر جائحة وقد كان اشتراها بعد بدو صلاحها فمن ذهب إلى القضاء بوضعها احتج بحديث أنس هذا ومثله حديث بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( (إذا بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق)) وسنذكر القائلين بذلك واختلافهم فيه بعد هذا ان شاء الله تعالى وقال آخرون إنما معنى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها لأن بيعها قبل بدو صلاحها من بيع الغرر قال مالك - رحمه الله وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع الثمار بعد بدو صلاحها علمنا أن ذلك قد خرج من بيع الغرر في الأغلب بقوله مع نهيه عن بيعها قبل بدو صلاحها أرأيت إن منع الله الثمرة معناه إذا بعتم الثمرة قبل بدو صلاحها ومنعها الله كنتم قد ركبتم الغرر واخذتم مال المبتاع بالباطل فلا تبيعوها حتى يبدو صلاحها فإنكم إذا فعلتم ذلك سلمتم من الغرر لأن الأغلب حينئذ من امرها السلامة فإن لحقتها جائحة فهي نادرة لا حكم لها وكانت كالدار تباع فتهدم قبل انتفاع المشتري بشيء منها وكذلك الحيوان يموت بإثر قبض المبتاع له وكذلك سائر العروض تهلك قبل أن ينتفع المبتاع بها قالوا كل من ابتاع ثمرة من نخل أو زرع او سائر الفواكه في حال يجوز بيعها فيه فقبض ذلك بما يقبض به مثله فأصابتها جائحة فأهلكته كله أو بعضه ثلاثا كان أو أقل أو أكثر فالمصيبة في ذلك كله من المبتاع وقد كان الشافعي يقول بالعراق بوضع الجوائح ثم رجع بمصر إلى هذا القول وهو أشهر قوليه عند أصحابه وضعف حديث سليمان بن عتيق عن جابر ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين)) وأمر بوضع الجوائح وقال كان بن عيينة يحدثنا به عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع السنين ولا يذكر فيه ((وضع الجوائح)) ثم ذكرها فيه بعد فذكرنا ذلك له فقال هو فيه أي هذا اللفظ فيه يعني قوله وأمر بوضع الجوائح واضطرب ولم يثبت فيه على شيء في وضع الجوائح. وقال الشافعي لو ثبت حديث سليمان بن عتيق لم أعده قال ولو كنت قائلا بوضع الجوائح لوضعتها في القليل والكثير وممن لم يقل بوضع الجائحة في قليل ولا كثير مع الشافعي وأصحابه والثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ويأتي تلخيص مذهب مالك وأصحابه في جوائح الثمار في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى. وقال مالك في آخر هذا الباب والأمر عندنا في بيع البطيخ والقثاء والخربز والجزر إن بيعه إذا بدا صلاحه حلال جائز ثم يكون للمشتري ما ينبت حتى ينقطع ثمره ويهلك وليس في ذلك وقت يؤقت وذلك أن وقته معروف عند الناس وربما دخلته العاهة فقطعت ثمرته قبل أن يأتي ذلك الوقت فإذا دخلته العاهة بجائحة تبلغ الثلث فصاعدا كان ذلك موضوعا عن الذي ابتاعه قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فقال مالك وأصحابه بما رسمه في كتاب (( الموطإ)) ومن أحسن ما يحتج به في ذلك أن السنة وردت في النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فإذا بدا صلاح أولها جاز بيع جميعها بطيب أولها ولو لا طيب أولها لم يجز بيعها فكذلك بيع ما لم يخلق في المقاثي من البطيخ والقثاء يكون تبعا لما خلق من ذلك كما كان ما لم يطب من الثمرة تبعا لما طاب وحكم الباذنجان والموز والياسمين وما أشبه ذلك كله حكم المقاثي عندهم. وأما الشافعي فلا يجوز عنده بيع شيء من ذلك إلا بطنا بعد بطن ولا يجوز عنده بيع شيء لم يخلق ولا بيع ما خلق ولم يقدر على قبضه في حين البيع ولا بيع ما خلق وقدر عليه إذا لم ينظر إليه قبل العقد وكذلك بيع كل معيب في الأرض مثل الجزر والفجل والبصل وليس ذكر الجزر في هذه المسالة في أكثر ((الموطآت)) لأنه باب آخر نذكره في باب بيع الغائب والمعيب في الأرض إن شاء الله عز وجل وقول الكوفيين في بيع المقاثي كقول الشافعي وهو قول أحمد وإسحاق لأنه بيع ما لم يخلق عندهم وبيع الغرر. 1264- مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع له أو يقيله فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تألى ان لا يفعل خيرا)) فسمع بذلك رب الحائط فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هو له. 1265- مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى بوضع الجائحة قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا قال مالك والجائحة التي توضع عن المشتري الثلث فصاعدا ولا يكون ما دون ذلك جائحة قال أبو عمر ليس في حديث عمرة ما يدل على إيجاب وضع الجائحة وإنما فيه الندب إلى الوضع وهو نحو حديث بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال أصيب رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تصدقوا عليه)) فتصدق عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك)) فلم يأمر بوضع الجائحة. وأخبرهم أن ليس إلا غير ما وجدوا لأنهم لم يبق له شيء يأخذونه فليس لهم غير ما وجدوا لأنه لم يبق لهم شيء يأخذونه وقد أنظر الله المعسر إلى الميسرة. وأما اعتبار مالك في مقدار الجائحة الثلث فلأن ما دونه عنده في حكم التافه الذي لا يسلم منه بهذه. وأما اختلاف فقهاء الأمصار في وضع الجوائح فقد تقدم قول مالك في موطئه في ذلك وروى بن وهب وغيره عنه في بيع البطيخ والقثاء إذا بدا صلاحه جاز للمشتري ما ينبت منه حتى تنقطع ثمرته لأن وقته معروف عند الناس فإن أصابته جائحة فقطعت ثمرته قبل أن يأتي ذلك الوقت فبلغ الثلث أو أكثر كان ذلك موضوعا عن الذي ابتاعه وقال بن القاسم عنه مثل ذلك وزاد قال ينظر إلى الميقات كما لو أنها من أول ما يشتري إلى آخر ما ينقطع ثمرتها فينظر إلى قيمته في كل زمان على قدر ارتفاع الأسواق والأرضين ثم يقسم الثمن على ذلك ثم يمتثل فيه ان يقسم الثمن على ذلك ويمتثل ما يجب امتثاله عند لجوائج وكذلك الورد والياسمين والتفاح والموز والأترج وكل شيء يجنى بطنا بعد بطن فأما ما يخرص من النخل والعنب وما ييبس ويدخر فإنه ينظر إلى ثلث الثمرة إذا أصابتها الجائحة وضع عن المشتري ثلث الثمن فلا تقويم وقال أشهب لا ينظر في ذلك إلى ثلث الثمرة وإنما ينظر إلى القيمة يوم وقفت الصفقة وبين أشهب وبن القاسم في هذا الباب اختلاف كثير قد ذكرته في كتاب اختلافهم قال مالك والبقول والكراث والجزر والبصل والفجل وما أشبهه إذا اشتراه رجل فأصابته جائحة فإنه يوضع عن المشتري بكل شيء أصابته الجائحة قل أو كثر وكل ما ييبس ويصير تمرا أو زبيبا وأمكن قطافه فلا جائحة فيه وقال أشهب المقاثي بمنزلة البقل يوضع عن المشتري قليل الجائحة وكثيرها قال والجراد والنار والبرد والمطر والطير الغالب والعفن والسموم وانقطاع ماء العيون كله من الجوائح إلا الماء فإنه يوضع وإن كان أقل من الثلث لأن الماء من سبب ما يباع. وقال أحمد بن حنبل وطائفة من أهل الحديث الجائحة من البائع كلها قليلها وكثيرها ولم يلتفتوا في ذلك إلى الثلث. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وأصحابهما من اشترى ثمرة من نخل أو من سائر الشجر كانت أو زرعا في أرض أو غير ذلك في حال يجوز البيع في ذلك فقبضه بما يقبض به مثله فأصابته جائحة أهلكته كله او بعضه فهو من مال المشتري وهو قول داود والطبري. 1266- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لصاحب العرية ان يبيعها بخرصها قال أبو عمر من رواة مالك في ((الموطإ)) طائفة لا تذكر في هذا الحديث بخرصها. 1267- مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق يشك داود قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق قال مالك وإنما تباع العرايا بخرصها من التمر يتحرى ذلك ويخرص في رؤوس النخل وإنما ارخص فيه لأنه أنزل بمنزلة التولية والإقالة والشرك ولو كان بمنزلة غيره من البيوع ما أشرك أحد أحدا في طعامه حتى يستوفيه ولا أقالة منه ولا ولاه أحدا حتى يقبضه المبتاع قال أبو عمر العرايا جمع عرية والعرية معناها عطية ثمر النخل دون الرقاب كان العرب إذا دهمتهم سنة تطوع اهل النخل منهم على من لا نخل له فيعطيه من ثمر نخله ما سمحت به نفسه فمنهم المقل ومنهم المكثر والمصدر من ذلك ((الأعراء)) وهو مثل الأقفار والأحبال والمنحه ومن هذا المعنى عند أصحابنا ((العمرى )) وسنذكر ذلك في باب العمرى إن شاء الله تعالى قال الخليل العرية من النخل التي تعرى عن المساومة عند بيع النخل والفعل ((الأعراء)) وهو أن يجعل ثمرتها لمحتاج وكانت العرب تمتدح بها قال بعض شعراء الأنصار يصف نخلة ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين المواحل والسنهاء من النخل التي تحمل سنة وتحول سنة والرجبية التي تميل بضعفها فتدعم من تحتها وكلاهما عيب فمدح الشاعر نخلة بأنها ليست كذلك. وأما معنى العرية في الشريعة ففيه اختلاف بين أهل العلم على ما اصفه لك بعون الله إن شاء الله عز وجل فمن ذلك أن بن وهب روى عن عمرو بن عبد الحارث عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو النخلات يسميها له من ماله ليأكلها فيبيعها بتمر قال لم يقل يبيعها من المعري ولا خص أحدا. وأخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني هناد عن عبدة عن بن إسحاق قال العرايا أن يهب الرجل الرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها وهذا أيضا ليس فيه الاقتضاء على المعري في البيع منه دون غيره فذهب قوم إلى هذا وجعلوا الرخصة في بيع العرايا بخرصها يبيعها المعري ممن شاء رفقا به ورخصة له ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما رواه حماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى البائع والمشتري عن المزابنة قال أبو عمر وقال زيد بن ثابت أرخص في العرايا النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمرا قالوا فقد أطلق في هذا الحديث بيعها بخرصها تمرا ولم يقل من المعري ولا من غيره فدل ذلك على أن الرخصة قصد بها المعري المسكين لحاجته قالوا وهو الصحيح في النظر لأن المعري قد ملك ما قد وهب له فجائز له أن يبيعه من المعري ومن غيره إذ أرخصت له السنة في ذلك وخصته من معنى المزابنة في لمقدار المذكور وممن ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل قال ابو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن تفسير العرايا فقال أنا لا أقول فيها بقول مالك وأقول إن العرايا أن يعري الرجل جاره أو قرابته للحاجة والمسكنة فإذا أعراه إياها فللمعري أن يبيعها ممن شاء إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وارخص في العرايا فرخص في شيء من شيء فنهى عن المزابنة ان تباع من كل واحد ورخص في العرايا أن تباع من كل أحد فيبيعها ممن شاء ثم قال مالك يقول يبيعها من الذي أعراها وليس هذا وجه الحديث عندي بل يبيعها ممن شاء قال وكذلك فسره لي بن عيينة وغيره قال الأثرم وسمعت أحمد يقول العرية فيها معنيان لا يجوزان في غيرها منها أنها رطب بتمر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفيها أنها تمر بثمر يعلم كيل التمر ولا يعلم كيل الثمر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فهذا كله لا يجوز إلا في العرية قلت لأبي عبد الله فإذا باع المعري العرية ألة أن يأخذ التمر الساعة أو عند الجذاذ قال بل يأخذه الساعة قلت له إن مالكا يقول ليس له أن يأخذ التمر الساعة حتى يجذ قال بل يأخذه الساعة على ظاهر الحديث واما الشافعي فمعنى العرايا عنده إباحة بيع ما دون خمسة أوسق من التمر بالتمر على ظاهر حديث مالك عن داود بن الحصين في هذا الباب وجعل هذا المقدار مخصوصا من المزابنة لكل من أراد ذلك في ذلك المقدار خاصة قال وإن كان الأصل في ذلك العرية من أجل أن الأغلب في العرايا إلا تبلغ أكثر من ذلك المقدار في المعروف من عطاياهم في الجار والقريب وللحاجة فقد دخل في تلك الرخصة كل من أراد بيع ذلك المقدار ممن شاء من ثمن من العرايا وغير العرايا وحجته في ذلك حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع المزابنة الثمر بالثمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو أسامة قال اخبرنا الوليد بن كثير قال أخبرنا بشير بن يسار - مولى بني حارثة - أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة أخبراه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا. وقال الشافعي جائز بيع ما دون خمسة أوسق من الرطب بالثمر يدا بيد وسواء كان ذلك فيمن وهب له تمر نخلة أو نخلات أو فيمن يريد أن يبيع ذلك المقدار من حائطه لعله أو لغير علة والرخصة عنده إنما وردت به في المقدار المذكور فخرج ذلك عنده من المزابنة وما زاد على ذلك المقدار فهو مزابنة لا يجوز بوجه من الوجوه ولا يجوز عنده بيع الرطب بالثمر في غير هذا المقدار من العرايا وما كان في معناها لا متماثلا ولا متفاضلا ومن حجته في ذلك ظاهر حديث مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق - شك داود وحديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا وحديث سهل ونافع المذكورين. وقال في حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالثمر إلا انه ارخص للعرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا قال يعني يأكلها أهلها الذين يبتاعونها رطبا وروى بإسناد منقطع عن محمود بن لبيد أنه قال لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم هذه قال فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضل من قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي بأيديهم يأكلونها رطبا وروى الربيع عن الشافعي في العرية إذا بيعت وهي خمسة أوسق قال فيها قولان أحدهما أنه جائز والآخر أنه لا يصح إلا فيما دون خمسة أوسق وقال المزني يلزمه على اصله أن يفسخ البيع في خمسة أوسق لأنه شك وأصل بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر حرام فلا يحل منه إلا ما استوفيت الرخصة فيه وذلك ما دون خمسة أوسق والعرية عند الشافعي فيما دون النخل والعنب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الخرص في ثمارها وأنه لا حائل دون الإحاطة بهما. وأما مذهب مالك وأصحابه بالعرايا فروى بن وهب عن مالك قال العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة والنخلة أو أكثر من ذلك سنة أو سنتين أو ما عاش فإذا طاب الثمر وأرطب قال صاحب النخل أما أكفيكم سقيها وضمانها تمرا عند الجذاذ كان ذلك منه معروفا كله فلا أحب أن يتجاوز ذلك خمسة أوسق قال وتجوز العرية في كل ما ييبس ويدخر نحو الزبيب والزيتون ولا أرى صاحب العرية أن يبيعها إلا ممن في الحائط ممن له تمر يخرصه وقال بن القاسم عن مالك لا يجوز بيع العرية بخرصها حتى يحل بيعها ولا يجوز بعد ما حل بيعها أن يبيعها بخرصها تمرا إلا إلى الجذاذ قال وإما أن يجعله فلا وإما بالطعام فلا يصلح أيضا إلا أن يجذ ما في رؤوسهما مكانه ولا يصلح أن يشتريها بطعام إلى أجل ولا بتمر نقدا بأيديهم وأن جذها في الوقت فلا يجوز أن يشتريها من الذي أعريها بالدراهم والدنانير قبل أن يحل بيعها إلا أن يشتريها ليقطعها. وأما على أن يتركها فلا يجوز قال أبو عمر إنما حمل مالكا على أن يقول هذا كله في العرية لأنه عنده مخصوصة بنسبتها فلا يتعدى بها موضعها والسنة عنده فيها ما أدرك عليه أهل الفتوى ببلده وجملة قوله في ذلك أن العرية أن يهب الرجل في حائطه مقدار خمسة أوسق فما دونها لم يرد أن يشتريها من المعري عند طيب التمر فأبيح له أن يشتريها بخرصها تمرا على أن يأخذه عند جذاذ التمر في ذلك العام فإن عجل له ذلك لم يجز ويجوز أن يعري الرجل من حائطه ما شاء ولكن البيع لا يكون إلا في خمسة أوسق فما دون ولا يبيعها المعري بما وصفنا إلا من العروض خاصة. وأما من غيره فلا إلا على سنة بيع الثمار إلا من المعري. وأما من غيره فلا إلا على سنة بيع الثمار في غير العرايا في حجة مالك فيما ذهب إليه من ذلك ما رواه سفيان بن عيينة قال حدثني يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار - مولى بني حارثه - قال سمعت سهل بن أبي حثمة يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة فذكره ففي هذا الحديث إباحة بيعها ممن كان أعراها دون غيره لأنه لا أهل لها سواهم وقال الأوزاعي العرايا هي أن أهل البيت المساكين يمنحون النخلات فترطب في اليوم القفيز والقفيزان فلا يكون فيها ما يسعهم فرخص لهم أن يبيعوا ثمر نخلهم بأوساق من تمر فلم يقصرهم الأوزاعي على بيعها من المعري قال وسألت الأوزاعي عن العرية والوطية والأكلة قال العرية النخلة يمنحها الرجل أخاه والوطية ما يطأه الناس والأكلة ما يؤكل منه وروى محمد بن شجاع البلخي عن عبد الله بن نافع عن مالك أن العرية النخلة والنخلتان للرجل في حائط لغيره والعادة في المدينة أنهم يخرجون بأهليهم في وقت الثمار إلى حوائطهم فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك خرص نخلتك تمرا فأرخص لهما ذلك قال أبو عمر هذه الرواية مخالفة لأصل مالك في العرية لأن أصله الذي لم يختلف فيه عنه ولا عن أصحابه إلا في هذه الرواية هي أن يهب الرجل لغيره نخلات من حائطه ثم يريد شراءها منه فأرخص له في ذلك دون غيره ورواية بن نافع هذه نحو مذهب الشافعي في العرية وقال بن القاسم عن مالك في نخلة في حائط رجل لآخر له أصلها فأراد صاحب الحائط أن يشتريها منه بعد ما أزهت بخرصها تمرا يدفعه إليه عند الجذاذ فقال مالك إن كان إنما يريد بذلك الكفاية لصاحبه والرفق به فلا بأس وإن كان إنما ذلك لدخوله وخروجه وضرر ذلك عليه فلا خير فيه قال بن القاسم وليس هذا مثل العرية قال أبو عمر رواية بن القاسم هذه تضارع رواية بن نافع ولكن بن القاسم قد بين أن ذلك ليس بالعرية يريد على مذهب مالك. وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا في العرية بما يرد سنتها ويبطل حكمها وأخرجوها من باب البيع ولم يجعلوها مستثناه من المزابنة وروى بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال العرية هي النخلة يهب صاحبها ثمرها لرجل ويأذن له في أخذها فلا يفعل حتى يبدو لصاحب النخلة أن يمنعه من ذلك ويعوضه منه خرصة تمرا فأبيح ذلك له ورخص لأن المعري لم يكن ملكه أو ملكه وقال عيسى بن أبان الرخصة في ذلك للمعري أن يأخذ تمرا بدلا من رطب لم يملكه وقال غيره الرخصة فيه للمعري لأنه كان مخلفا لوعده فرخص له في ذلك وأخرج من إخلاف الوعد قال أبو عمر ما قاله الكوفيون يرده حديث بن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من رواية مالك وغيره عن نافع عن بن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وحديث الزهري عن سالم عن بن عمر قال أخبرني زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا وبالله التوفيق. 1268- مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن أن القاسم بن محمد كان يبيع ثمر حائطه ويستثني منه. 1269- مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن جده محمد بن عمرو بن حزم باع ثمر حائط له يقال له الأفرق بأربعة آلاف درهم واستثنى منه بثمانمائة درهم تمرا. 1270- مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة أن أمه عمره بنت عبد الرحمن كانت تبيع ثمارها وتستثني منها قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائطه أن له أن يستثني من ثمر حائطه ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوز ذلك وما كان دون الثلث فلا بأس بذلك قال مالك فأما الرجل يبيع ثمر حائطه ويستثني من ثمر حائطه ثمر نخلة أو نخلات يختارها ويسمي عددها فلا أرى بذلك باسا لأن رب الحائط إنما استثنى شيئا من ثمر حائط نفسه وإنما ذلك شيء احتبسه من حائطه وأمسكه لم يبعه وباع من حائطه ما سوى ذلك قال أبو عمر أما فقهاء الأمصار الذين دارت عليهم الفتيا وألفت الكتب على مذاهبهم فكلهم يقول إنه لا يجوز أن يبيع أحد ثمر حائطه ويستثني منه كيلا معلوما قل أو كثر بلغ الثلث أو لم يبلغ فالبيع ذلك باطل إن وقع ولو كان المستثنى مدا واحدا لأن ما بعد ذلك المد ونحوه مجهول إلا مالك بن أنس فإنه أجاز ذلك إذا كان ما استثني منه معلوما وكان الثلث فما دونه في مقداره ومبلغه فأما أهل المدينة فعلى ما قال مالك أنه الأمر المجتمع عليه عندهم وروى بن وهب عن بن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أن بن عمر كان يستثني على بيعه إذا باع التمر في رؤوس النخل بالذهب أن لي منه كذا بحساب كذا قال وأهل المدينة اليوم على هذا البيع وقال عبد العزيز بن أبي سلمة لا أرى بأسا أن يستثني الثلث فما دونه قال وأنا أحب أدنى من الثلث ولا أرى بالثلث بأسا إذا بلغ وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية وبن أبي زائدة عن بن عوف عن القاسم قال لولا أن عبد الله بن عمر كره الثنيا وكان عندنا مرضيا ما رأينا بذلك بأسا قال أبو عمر هذا أصح ما روي عن بن عمر لأنه متصل ورواته ثقات والإسناد المتقدم عنده غير متصل لأن أبا الأسود - محمد بن عبد الرحمن لم يسمع منه ولا أدرك زمانه وبن لهيعة ليس بحجة واحتج أصحابنا لمذهب أهل المدينة في هذه المسألة بأن قالوا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الثنيا فإنما ذلك في استثناء الكثير من الكثير أو استثناء الكثير مما هو أقل منه. وأما القليل من الكثير فلا وجعلوا الثلث فما دونه قليلا قالوا وبيع ما على المستثنى كبيع الصبرة التي لا يعلم مبلغ كيلها قالوا واستثناء القليل من الكثير هو المعروف من لسان العرب وبه ورد القرآن. وأما استثناء الكثير فلا فهذا عندهم معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا واستغنوا بما ذكره مالك عن علماء المدينة في هذا الباب من الاستثناء وبما رواه حماد بن سلمة عن هشام بن حسان وعثمان البتي أن بن سيرين كان لا يرى بأسا أن يبيع الرجل ثمر حائطه ويستثني كراء أو كراءين قال أبو عمر أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الثني فحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثني (مختصرا). وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا (مختصرا) وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن عمرو بن شعيب قال قلت لسعيد بن المسيب أبيع ثمرة أرضي وأستثني منها قال لا تستثن إلا شجرا معلوما قال أخبرنا عياد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كره أن يستثني شيئا من النخيل بكيل قال حدثني عبد الأعلى عن يونس عن الحسن في الرجل يبيع ثمر أرضه ويستثني الكرء والكرئين كان لا يعجبه إلا أن يعلم نخلا قال حدثني عباد بن العوام عن عمرو بن عامر عن قتادة عن سالم أنه كره أن يستثني كيلا أو سلالا أو كرارا. 1271- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((التمر بالتمر مثلا بمثل)) فقيل له إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ادعوه لي)) فدعي له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أتأخذ الصاع بالصاعين)) فقال يا رسول الله لا يبيعونني الجنيب بالجمع صاعا بصاع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) هكذا هذا الحديث مرسلا في ((الموطإ)) وعند مالك في معناه حديث متصل رواه عن عبد الحميد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يحيى وطائفة من رواة ((الموطإ)). قالوا فيه عن مالك عن عبد المجيد بن سهيل وكذلك قال فيه بن عيينة والأكثر من رواة ((الموطإ)) وغيرهم يقولون فيه عبد المجيد وهو الصواب - إن شاء الله تعالى وقد ذكرنا عبد الحميد ونسبناه في ((التمهيد)) والحمد لله كثيرا والحديث محفوظ من حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى حديث عطاء بن يسار هذا داود بن قيس عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه أيضا بذلك يزيد بن قسيط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعا حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد عن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما من التمر مختلفا بعضه أفضل من بعض قال فذهبنا نتزايد فيه بيننا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا كيلا بكيل يدا بيد. 1272- مالك عن عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أكل تمر خيبر هكذا)) فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عبد الحميد وأكثر الرواة يقولون عبد المجيد وقد تقدم في صدر هذا الباب. وأما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر الذي جاءه بالتمر الجنيب المذكور في حديث عبد الحميد بن سهيل هذا وحديث عطاء بن يسار أيضا فهو سواد بن غزية البلوي الأنصاري حليف بني عدي بن النجار وهو ممن شهد بدرا وقد ذكرناه في كتاب الصحابة روى الدراوردي عن عبد الحميد بن سهيل عن سعيد بن المسيب أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سوار بن غزية أخا بني عدي من الأنصار وأمره على خيبر فقد مر عليه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أكل تمر خيبر هكذا)) فقال لا وذكر الحديث بمعنى حديث مالك هذا سواء وفي هذا الحديث وفي الذي قبله من الفقه أن التمر كله جنس واحد رديئه وجيده ورفيعه ووضيعه لا يجوز التفاضل في شيء منه ويدخل في معنى التمر جميع الطعام لا يجوز في الجنس الواحد منه بعضه ببعض الزيادة ولا النسيئة فإن كان جنسين وصنفين من الطعام مختلفين لم يجز فيه التشبيه وجاز فيه التفاضل فهذا حكم الطعام المقتات المدخر كله عند مالك. وأما الشافعي فالطعام كله مقتات وغير مقتات مدخرا كان أو غير مدخر عنده لا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا ولا نسيئة وعند الكوفيين الطعام المكيل كله وكذلك الموزون عندهم وسنبين مذاهبهم في موضعها من كتابنا هذا - إن شاء الله تعالى وقد أجمعوا على أن الجنس الواحد من المأكولات يدخله الربا من وجهين لا يجوز بعضه ببعض متفاضلا ولا بعضه ببعض نسيئة إلا أن كل واحد منهم على أصله المذكور في الاقتيات وغيره والكيل والوزن وغيرهما والجنس الواحد من الطعام كالذهب بالذهب لا يجوز شيء منه بشيء متفاضلا ولا نسيئة وكذلك الورق بالورق فإذا اختلف الجنسان ذهبا بورق جاز فيهما التفاضل يدا بيد ولا تحل فيهما النسيئة وهكذا الطعام وسنذكر اختلافهم في أصنافه في موضعها - إن شاء الله تعالى وفيه أن من لم يعلم بتحريم الشيء فلا حرج عليه حتى يعلم إذا كان ذلك الباب مما يعذر الإنسان بجهله من علم الخاصة قال الله عز وجل (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء 15]. ومثله قوله عز وجل (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) [التوبة 115]. والبيع إذا وقع محرما فهو مفسوخ مردود وإن جهله فاعله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برد هذا البيع من حديث بلال بن رباح ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضا وروى منصور وقيس بن الربيع عن أبي حمزة عن سعيد بن المسيب عن بلال قال كان عندي تمر دون فابتعت أجود منه في السوق بنصف كيله صاعين بصاع وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ((من أين لك هذا)) فحدثته بما صنعت فقال ((هذا الربا بعينه انطلق فرده على صاحبه وخذ تمرك وبعه بحنطة أو شعير ثم اشتر من هذا التمر ثم ائتني به)) ففعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((التمر بالتمر مثلا بمثل والحنطة بالحنطة مثلا بمثل والذهب بالذهب وزنا بوزن والورق بالورق وزنا بوزن فما كان من فضل فهو ربا فإذا اختلفت فخذوا واحدا بعشرة)) وفي اتفاق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا فهو مفسوخ أبدا دليل واضح على أن بيع عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصاعين بالصاع كان قبل نزول آية الربا وقبل أن يتقدم إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التفاضل في ذلك ولهذا سأله عن فعله ليعلمه بما أحدث الله فيه من حكمه ولذلك لم يأمر بفسخ ما لم يتقدم فيه إليهم والله أعلم وقد احتج بظاهر هذا الحديث من أجاز أن يبيع الرجل الطعام من رجل بالنقد ويبتاع منه بذلك النقد طعاما قبل الافتراق وبعده لأنه لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره. 1273- مالك عن عبد الله بن يزيد أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد أيتهما أفضل قال البيضاء فنهاه عن ذلك وقال سعد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أينقص الرطب إذا يبس)) فقالوا نعم فنهى عن ذلك قال يحيى قال مالك كل رطب بيابس من نوعه حرام قال أبو عمر قول يحيى هذا عن مالك لم يروه أحد في ((الموطإ)) غيره فيما علمت ومعناه صحيح في مذهبه وهكذا هذا الحديث في أكثر روايات ((الموطإ)) مالك عن عبد الله بن يزيد لم ينسبه فظن قوم أنه عبد الله بن يزيد بن هرمز الفارسي الفقيه وليس كذلك وإنما هو عبد الله بن يزيد - مولى الأسود بن سفيان كذلك في رواية أبي مصعب والشافعي وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم ولم يذكر مالك في ((موطئه)) عن عبد الله بن يزيد بن هرمز حديثا ولا مسألة يقولون إنه خرج على مالك وغيره أن يحدثوا بشيء من رواية عنه أو من حديثه وغيره. وأما زيد أبو عياش فقيل إنه مجهول لم يرو عنه أحد غير عبد الله بن يزيد وقد قيل روى عنه أيضا عمران بن أبي أنس وقد قيل إن زيدا أبا عياش هذا هو أبو عياش الزرقي وأبو عياش الزرقي اسمه عند طائفة من أهل العلم بالحديث زيد بن الصامت وقد اختلف في اسمه على ما ذكرنا في كتاب ((الصحابة)) وهو من صغار الصحابة وممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وشهد معه بعض مشاهده حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي أمية عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش الزرقي أن رجلا سأل سعدا عن السلت بالشعير فقال تبايع رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ورطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل ينقص الرطب إذا يبس)). قالوا نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((فلا إذن)) ورواه الحميدي عن بن عيينة بإسناده مثله إلا أنه لم يقل الزرقي في أبي عياش أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش قال تبايع رجلان على عهد سعد بن أبي وقاص بسلت وشعير فقال سعد تبايع رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ورطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أينقص الرطب إذا يبس)). قالوا نعم قال فلا إذن)) فقد بان بهذا الحديث أن البيضاء هي الشعير وهو معروف من مذهب سعد أن الحنطة والشعير والسلت عنده صنف واحد وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه في ذلك ولا خلاف علمته في أن البيضاء المذكورة في هذا الحديث هي الشعير إلا ما ذكره وكيع فإنه وهم في هذا الحديث على مالك فقال فيه عنه لم يتابع عليه ذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش قال سألت سعدا عن السلت بالذرة فكرهه فقال سعد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر فذكر الحديث ووهم فيه وكيع إذ جعل الذرة موضع البيضاء والبيضاء عند العرب الشعير والسمراء عندهم البر والذرة عند العلماء صنف منفرد وسنذكر أصناف الطعام وأجناسه في باب بيع الطعام بالطعام ونذكر اختلاف العلماء في ذلك - إن شاء الله تعالى. وأما قوله في حديث مالك أيتهما أفضل فإنه أراد أيتهما أكثر في الكيل والوزن ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني أبو الوليد قال حدثني الطيالسي قال سألت مالك بن أنس فحدثنا عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش قال سألت سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال بينهما فضل قلت نعم قال فلا إذن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرطب بالتمر فسأل من حوله عن الرطب ((أينقص إذا جف)). قالوا نعم قال ( (فلا إذن)). وأما بيع الرطب بالتمر فقد اختلف العلماء في ذلك فأكثرهم لا يجوز عندهم بيع الرطب بالتمر على حال من الأحوال لأنه من المزابنة المنهي عنها ومعناها كل رطب بيابس من جنسه حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد وعبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قالا حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر كيلا وعن بيع العنب بالزبيب كيلا وعن بيع الحنطة بالزرع كيلا وبهذا قال جمهور الفقهاء فلا يجوز عندهم بيع الرطب بالتمر ولا متفاضلا ولا متماثلا وممن قال ذلك مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي والثوري والليث وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة لا بأس ببيع الرطب بالتمر مثلا بمثل ولا يجوز متفاضلا واختاره الطحاوي دون قول أبي يوسف ومحمد وقال الرطب بتمر وكذلك الحنطة الرطبة باليابسة عند أبي حنيفة قال أبو عمر قياس قول أبي حنيفة أن بيع التين الأخضر باليابس جائز متماثلا وكذلك العنب بالزبيب مثلا بمثل وما كان مثل ذلك كله وهذا خلاف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدول فلا وجه لقوله وقال أبو يوسف يجوز بيع الحنطة الرطبة باليابسة فأما الرطبة من الأصل فلا تجوز باليابسة وقال سائر الفقهاء لا يجوز مثلا بمثل ولا متفاضلة وذكر بن المواز عن بن القاسم أنه أجاز العجين بالعجين مثلا بمثل ورواه عن مالك ورواه أشهب في ((العتبية)) عن عيسى عن بن القاسم أنه قال في الدقيق بالعجين لا يجوز مثلا بمثل ولا متفاضلا ولا على التحري قال ثم رجع فقال إن تحرى فلا بأس به وذكر بن المواز في اللحم الطري باليابس أنه لا يجوز متفاضلا ولا مثلا بمثل ولا على التحري ورواه عن مالك وبه قال أصبغ وقال بن وهب لا بأس به ورواه عن مالك وبه قال أبو زيد بن أبي الغمر قال أبو عمر لا يجوز العجين بالعجين ولا الدقيق بالدقيق ولا اللحم الطري باليابس لا مثلا بمثل ولا متفاضلا استدلالا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر لأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((أينقص الرطب إذا يبس)) فالتقدير للاستفهام يقول أليس الرطب ينقص إذا يبس فكيف يباع بالتمر والمماثلة المأمور بها فيهما لا يوقف على حقيقتها والتفاضل المنهي عنه فيهما لا يؤمن وقد أجمعوا أن كل ما حرم فيه التفاضل لا يباع منه كيل بجزاف ولا معلوم بمجهول ولا مجهول بمجهول كما ذكرنا كذلك لا شك فيه وبالله التوفيق. 1274- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا. 1275- مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة. 1276- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة قال بن شهاب فسألت سعيد بن المسيب عن استكراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس بذلك قال أبو عمر هذه الآثار الثابتة متفقة في أن المزابنة اشتراء الرطب من التمر باليابس من التمر وشراء العنب بالزبيب وهذا قول جمهور العلماء إلا ما ذكرنا عن أبي حنيفة ومن قاس قياسه في الرطب بالتمر وكل ما كان في معنى الرطب بالتمر وفي معنى العنب بالزبيب من سائر المأكولات والمشروبات فكذلك عندهم. وأما اشتراء الحنطة بالزرع فمحاقلة ومزابنة لا تجوز وكذلك التمر بالتمر في رؤوس النخل مزابنة لا تجوز عند أحد منهم وكذلك الكرم بالزبيب قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثني محمد بن يحيى بن أبي عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن بن جريج عن عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وألا يباع إلا بالدنانير أو بالدراهم إلا العرايا قال سفيان المخابرة كراء الأرض بالحنطة والمزابنة بيع ما في رؤوس النخل بالتمر والمحاقلة بيع السنبل من الزرع يعني بالحب المصفى قال أبو عمر قد قيل في المخابرة أنها كراء الأرض ببعض ما تخرجه مما يزرع فيها واختلف في اشتقاق اللفظة فقيل هي من خبير ومن قال ذلك جعل قصة خيبر منسوخة بالنهي عن المزارعة وهي كراء الأرض بالثلث والربع مما تخرجه وقيل هي من خابرت الأرض أي زارعت فيها والخبير الحراث والمزابنة قد فسرناها والمحاقلة قيل هي من معنى المخابرة في كراء الأرض على ما وصفنا قيل وهي على معنى المزابنة بيع الزرع قائما بالحب من صنفه فقد قال بن عيينة تفسير المخابرة عندهم إن ربحوا فلهم وإن نقصوا فعلي وعليهم. وأما كراء الأرض بالحنطة وبما يخرج منها بالطعام وغيره فإن الاختلاف فيه كثير قديما وحديثا وسنذكره في باب كراء الأرض من هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى وقد فسر مالك المزابنة في الموطإ تفسيرا منه ما اجتمع العلماء عليه ومنه ما خالفه فيه وذلك أنه قال وتفسير المزابنة أن كل شيء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده ابتيع بشيء مسمى من الكيل أو الوزن أو العدد قال أبو عمر هذا من قوله عند جمهور العلماء صحيح إذا كان مما يؤكل أو يشرب مما يكال أو يوزن أو كان ذهبا أو فضة. وأما غير ذلك فمختلف فيه على ما نذكر منه كل شيء في بابه وموضعه - إن شاء الله عز وجل إلا أن أصل مذهب مالك فيما عدا المأكول والمشروب لا يدخله مزابنة إلا من جهة القمار والمخاطرة والغرر فتدخل المزابنة عنده فيما يجوز فيه التفاضل وما لا يجوز إذا كان المقصد فيه إلى ما وصفنا من الغرر والقمار والخطر وفسر ذلك من مذهبه فقال في ((موطئه)) وذلك أن يقول الرجل للرجل يكون له الطعام المصبر الذي لا يعلم كيله من الحنطة أو التمر أو ما أشبه ذلك من الأطعمة أو يكون للرجل السلعة من الحنطة أو النوى أو القضب أو العصفر أو الكرسف أو الكتان أو القز أو ما أشبه ذلك من السلع لا يعلم كيل شيء من ذلك ولا وزنه ولا عدده فيقول الرجل لرب تلك السلعة كل سلعتك هذه أو مر من يكيلها أو زن من ذلك ما يوزن أو عد من ذلك ما كان يعد فما نقص عن كيل كذا وكذا صاعا لتسمية يسميها أو وزن كذا وكذا رطلا أو عدد كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه لك حتى أوفيك تلك التسمية فما زاد على تلك التسمية فهو لي أضمن ما نقص من ذلك على أن يكون لي ما زاد فليس ذلك بيعا ولكنه المخاطرة والغرر والقمار يدخل هذا لأنه لم يشتر منه شيئا بشيء أخرجه ولكنه ضمن له ما سمي من ذلك الكيل أو الوزن أو العدد على أن يكون له ما زاد على ذلك فإن نقصت تلك السلعة عن تلك التسمية أخذ من مال صاحبه ما نقص بغير ثمن ولا هبة طيبة بها نفسه فهذا يشبه القمار وما كان مثل هذا من الأشياء فذلك يدخله وذكر في هذا الباب إلى آخره ما في معنى ما ذكرنا عنه قيل لا يخرج عن شيء مما وصفنا من أصله فلم أر وجها لذكره لأنه مسطور في ((الموطإ)) عند جميع رواته ويشهد بقول مالك في ذلك ما تعرفه العرب في لغتها لأن المزابنة مأخوذ لفظها من الزبن وهو المقامرة والدفع والمغالبة وفي معنى القمار والزيادة والنقصان حتى لقد قال بعض أهل اللغة إن القمر مشتق من القمار لزيادته ونقصانه فالمزابنة والقمار والمخاطرة شيء متداخل المعنى متقارب تقول العرب حرب زبون أي ذات دفع وقمار ومغالبة قال أبو الغول الطهوي فوارس لا يملكون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون وقال معمر بن لقيط الإيادي عبل الذراع أبيازا مزابنة في الحرب يختتل الرئال والسقيا ومن هذا المعنى قول سعيد بن المسيب كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين فأخبر سعيد أن ذلك ميسر والميسر القمار. وأما الشافعي - رحمه الله - فقال جماع المزابنة أن ينظر كل ما عقد بيعه مما الفضل في بعضه على ببعض يدا بيد ربا فلا يجوز منه شيء يعرف كيله أو وزنه بشيء جزافا ولا جزافا بجزاف من صنفه فإما أن يقول لك أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا فما زاد فلي وما نقص فعلي تمامها فهذا من القمار والمخاطرة وليس من المزابنة ومن حجته أن أبا سعيد الخدري روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزابنة وقال المزابنة اشتراء التمر بالتمر في رؤوس النخل ففسرها بن عمر بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا وروى بن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة قال أبو عمر والمزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه بتمر كيلا إن كانت نخلا أو بزبيب إن كانت كرما أو حنطة إن كانت زرعا وروى بن عيينة عن بن جريج عن عطاء عن جابر قال المزابنة أن يبيع الثمر في رؤوس النخل بمائة فرق تمرا فهؤلاء الثلاثة من الصحابة - رضوان الله عليهم - قد فسروا المزابنة بما تراه ولا مخالف لهم علمته والله أعلم وهذا كله أيضا عند أبي حنيفة وأصحابه مزابنة لأنه معلوم بمجهول أو مجهول بمعلوم لا يؤمن فيه التفاضل ولو كان مثلا بمثل جاز عند أبي حنيفة ولم يجز عند أبي يوسف ومحمد على ما قدمنا عنهم في بيع الرطب بالتمر ومذهب أحمد بن حنبل في هذا الباب نحو مذهب الشافعي قال لا يجوز بيع شيء من الرطب بيابس من جنسه إلا في العرايا وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل. 1277- قال مالك من اشترى ثمرا من نخل مسماة أو حائط مسمى أو لبنا من غنم مسماة إنه لا بأس بذلك إذا كان يؤخذ عاجلا يشرع المشتري في أخذه عند دفعه الثمن وإنما مثل ذلك بمنزلة راوية زيت يبتاع منها رجل بدينار أو دينارين ويعطيه ذهبه ويشترط عليه أن يكيل له منها فهذا لا بأس به فإن انشقت الراوية فذهب زيتها فليس للمبتاع إلا ذهبه ولا يكون بينهما بيع قال أبو عمر لأنه عنده بيع عين لا بيع صفة مضمونة في الذمة فإذا ذهبت الرواية لم يكن له إلا الثمن الذي دفع وهذا لا يجوز عند الشافعي لأنه لا يجيز بيع عين من الأعيان في شيء من البيوع إلا أن يكون المبتاع ينظر الشيء المبيع ويتأمله ويحيط به نظره ويعلم ما تقع عليه صفته بعينه والبيع عنده على نوعين أحدهما عين مرئية يحيط بالنظر إليها المتبايعان والآخر السلم الموصوف المضمون في الذمة فأقر به البائع له على الصفة التي لزمته وقد روي عنه أنه أجاز بيع الصفة على خيار الرؤية على ما ذهب إليه الكوفيون في ذلك وسيأتي القول في بيع الصفة في موضعه بما للفقهاء فيه - إن شاء الله عز وجل وعند الكوفيين من ابتاع تمرا أو لبنا لم يره على صفة ذكرت لم يلزمه شيء منه حتى ينظر إليه فيختاره أو يرده وهذا عندهم من باب بيع الموصوف على خيار الرؤية قال مالك. وأما كل شيء كان حاضرا يشترى على وجهه مثل اللبن إذا حلب والرطب يستجنى فيأخذ المتباع يوما بيوم فلا بأس به قال أبو عمر هذا لا خلاف فيه إذا اشترى على وجهه بعد النظر إليه وقد حلب اللبن وجني التمر قال مالك فإن فني قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى رد عليه البائع من ذهبه بحساب ما بقي له أو يأخذ منه المشتري سلعة بما بقي له يتراضيان عليها ولا يفارقه حتى يأخذها فإن فارقه فإن ذلك مكروه لأنه يدخله الدين بالدين وقد نهي عن الكالىء بالكالىء فإن وقع في بيعهما أجل فإنه مكروه ولا يحل فيه تأخير ولا نظرة ولا يصلح إلا بصفة معلومة إلى أجل مسمى فيضمن ذلك البائع للمبتاع ولا يسمى ذلك في حائط بعينه ولا في غنم بأعيانها قال أبو عمر قوله إن فني اللبن أو الفاكهة قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى من ذلك رد عليه البائع من ذهبه بحساب ما بقي له فلأنه على ما ذكره في الراوية من الزيت تنشق ويذهب زيتها وقد قبض المشتري بعد ما عقد عليه صفقته من تلك الراوية ينفسخ البيع فيما لم يقبض ولا يلزم للبائع أن يأتيك بمثله لأنه ليس بسلم مضمون عليه في ذمته فإذا انفسخ البيع فيما وصفنا رجع بحصته من الثمن لأنه الواجب له وإذا وجب له كان له أن يأخذ فيه ما شاء من السلع تاجرا وإن أخذه دخله الدين بالدين لأنه دين وجب له في ذمة الذي قبض منه ثمن ما لم يوف البدل منه فإن أخذه بما يأخذ منه كان كمن قد فسخ دينه ذلك بدين. وأما قوله ((وإن وقع في بيعهما أجل)) إلى آخر كلامه فإنما كره ذلك لأن الأعيان المبيعة لا يجوز الاشتراط في قبضها إلا بصفة معلومة إلا ما كان في العقار المأمون وما أشبهه وإنما يصح الأجل في بيع الصفات المضمومات وهي السلم المعلوم في صفة معلومة وكيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم وهذا لا يجوز عند الجمهور في حائط معلوم بعينه ولا في ثمن لبن بأعيانها وقد روي عن مالك أن السلم في حنطة فدية كذا معينة إذا كانت كثيرة لا تختلف في الأغلب جائز وأصل مذهبه ما في ((الموطإ)) كراهة ذلك لأنه غرر وقد كان الشافعي يقول من شرائط المسلم الذي به يصلح أن يكون ما أسلم فيه من الطعام يقول فيه من حصاد عام كذا وأنكره الكوفيون وجعلوه من باب سلم في عين معدومة غير مضمونة وهو غير جائز عند الجميع قال أبو عمر لا يختلفون في قليل جواز الغرر لأنه لا يسلم منه بيع ولا يمكن الإحاطة بكل المبيع لا ينظر ولا بصفة والأغلب في العام السلامة إن يكن في تلك كان في آخر ويأتي هذا في موضعه إن شاء الله عز وجل وسئل مالك عن الرجل يشتري من الرجل الحائط فيه ألوان من النخل من العجوة والكبيس والعذق وغير ذلك من ألوان التمر فيستثني منها ثمر النخلة أو النخلات يختارها من نخلة فقال مالك ذلك لا يصلح لأنه إذا صنع ذلك ترك ثمر النخلة من العجوة ومكيلة ثمرها خمسة عشر صاعا وأخذ مكانها ثمر نخلة من الكبيس ومكيلة ثمرها عشرة أصوع فإن اخذ العجوة التي فيها خمسة عشر صاعا وترك التي فيها عشرة اصوع من الكبيس فكأنه اشترى العجوة بالكبيس متفاضلا قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار انه لا يجوز لأحد أن يستثني ثمر نخلات معدودات من حائط رجل غير معينات يختارها من جميع النخل وكذلك لا يجوز ذلك عندهم في ألوان النخيل ولا في الثياب ولا في العبيد ولا في شيء من الأشياء لأنه بيع وقع على ما لم يره المتبايعان بعينه ومعلوم أن الاختيار لا يكون إلا فيما بعضه خير من بعض وأفضل ولم يفسد البيع في ذلك من جهة ما ذكره مالك أنه يدخله بيع الثمر بالتمر متفاضلا وذكر مالك بعد هذه المسألة قال وذلك مثل أن يقول الرجل للرجل بين يديه صبر من التمر قد صبر العجوة فجعلها خمسة عشر صاعا وجعل صبرة الكبيس عشرة آصع وجعل صبرة العذق اثني عشر صاعا فأعطى صاحب التمر دينارا على أنه يختار فيأخذ أي تلك الصبر شاء قال مالك فهذا لا يصلح قال أبو عمر كذلك لا يصلح عند كل من ذكرنا قوله من العلماء في المسألة الأولى ولا يجوز عندهم للبائع أن يستثني من غنم فيبيعها أو ثياب أو عبيد أو غير ذلك واختار ذلك مالك واختلف مالك وبن القاسم في الرجل يبيع ثمر حائطه ويستثني منه تمر نخلات يختارها فقال مالك ذلك جائز رواه بن وهب وبن القاسم وأشهب وغيرهم عنه قال مالك وذلك بمنزلة الغنم يبيعها على أن يختار منها غنما فيستثنيها لنفسه وهذه المسألة ذكر فيها بن القاسم أربعين يوما فقال بن القاسم ولا يعني قوله هذا لأن الغنم بعضها ببعض متفاضلا جائز والتمر لا يجوز فيه التفاضل قال بن القاسم ولم أر أحدا من أهل المعرفة يعجبه ذلك من قولهم قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه أن المستثني للجنين في بطن أمه إذا باع الأم كالمشتري له لا يجوز ذلك لها ولم يختلفوا أنه لا يجوز لأحد أن يشتري تمرا من نخلات معدودات يختارها من حائط بعينه واختلفوا في استثناء البائع لها من تمر الحائط فلم يجعله مالك كالمشتري لها ولم يختلفوا في الثياب والغنم أنه جائز للبائع لها من حائطه أن يستثني منها عددا. وأما الفقهاء - أئمة الفتوى بالعراق والحجاز والشام فلا يجيزون شيئا من ذلك كله لأن ما عدا المستثنى مجهول وبيع المجهول لا يجوز عند جميعهم وسئل مالك عن الرجل يشتري الرطب من صاحب الحائط فيسلفه الدينار ماذا له إذا ذهب رطب ذلك الحائط قال مالك يحاسب صاحب الحائط ثم يأخذ ما بقي له من ديناره إن كان أخذ بثلثي دينار رطبا أخذ ثلث الدينار الذي بقي له وإن كان أخذ ثلاثة أرباع ديناره رطبا أخذ الربع الذي بقي له أو يتراضيان بينهما فيأخذ بما بقي له من ديناره عند صاحب الحائط ما بدا له إن أحب أن يأخذ تمرا أو سلعة سوى التمر أخذها بما فضل له فإن أخذ تمرا أو سلعة أخرى فلا يفارقه حتى يستوفي ذلك منه قال أبو عمر لأنه إن فارقه قبل أن يستوفي ذلك منه عند الكالئ بالكالئ قال مالك وإنما هذا بمنزلة أن يكري الرجل الرجل راحلته بعينها أو يؤاجر غلامه الخياط أو النجار أو العمال لغير ذلك من الأعمال أو يكري مسكنه ويستلف إجارة ذلك الغلام أو كراء ذلك المسكن أو تلك الراحلة ثم يحدث في ذلك حدث بموت أو غير ذلك فيرد رب الراحلة أو العبد أو المسكن إلى الذي سلفه ما بقي من كراء الراحلة أو إجارة العبد أو كراء المسكن يحاسب صاحبه بما استوفى من ذلك إن كان استوفى نصف حقه رد عليه النصف الباقي الذي له عنده وإن كان أقل من ذلك أو أكثر فبحساب ذلك يرد إليه ما بقي له قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه فيسقط عنه الكلام عليه فقد اختلف قول مالك وأصحابه فيمن سلم في فاكهة فانقضى أيامها قبل أن يستوفي ما أسلم فيه منها فذكر سحنون عن بن القاسم أن مالكا اختلف قوله في ذلك فمرة قال يصبر فيما بقي له من السنة إلى السنة القابلة ثم رجع فقال لا بأس أن يأخذ بقية راس ماله قال بن القاسم وأنا أرى أنه بالخيار إن شاء أن يؤخره بما بقي عليه من الفاكهة إلى قابل أخره وإن شاء أخذ بقية رأس ماله وقال سحنون ليس لواحد منهما خيار وإنما له أن يأخذ حقه من الفاكهة متأخرة إلى قابل ولو كان له خيار لكان فسخ الدين في الدين وقال أشهب هما مجبوران على الفسخ ولا يجوز لهما التأخير. وأما الشافعي فقال من أسلم في رطب أو عنب فنفد حتى لا يبقى منه بالبلد الذي سلف منه شيء كان المسلف منه بالخيار بين أن يرجع بما بقي من سلفه حصته أو يؤخر ذلك إلى رطب قابل قال وقد قيل ينفسخ بحصته والله أعلم قال أبو عمر إذا انفسخ ارتفع الخيار ولم يكن له إلا أخذ رأس ماله أو ما بقي له منه بعد المحاسبة. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا لم يقبض المسلم السلم حتى فات ولم يوجد مثله فالمسلم بالخيار - إن شاء فسخ السلم واسترجع رأس ماله وإن شاء صبر إلى وجود مثله فإن صبر إلى وجود مثله أخذ المسلم إليه به حينئذ قال مالك ولا يصلح التسليف في شيء من هذا يسلف فيه بعينه إلا أن يقبض المسلف ما سلف فيه عند دفعه الذهب إلى صاحبه يقبض العبد أو الراحلة أو المسكن أو يبدأ فيما اشترى من الرطب فيأخذ منه عند دفعه الذهب إلى صاحبه لا يصلح أن يكون في شيء من ذلك تأخير ولا أجل قال مالك وتفسير ما كره من ذلك أن يقول الرجل للرجل أسلفك في راحلتك فلانة أركبها في الحج وبينه وبين الحج أجل من الزمان أو يقول مثل ذلك في العبد أو المسكن فإنه إذا صنع ذلك كان إنما يسلفه ذهبا على أنه إن وجد تلك الراحلة صحيحة لذلك الأجل الذي سمى له فهي له بذلك الكراء وإن حدث بها حدث من موت أو غيره رد عليه ذهبه وكانت عليه على وجه السلف عنده قال مالك وإنما فرق بين ذلك القبض من قبض ما استأجر أو استكرى فقد خرج من الغرر والسلف الذي يكره وأخذ أمرا معلوما وإنما مثل ذلك أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة فيقبضهما وينقد أثمانهما فإن حدث بهما حدث من عهدة السنة أخذ ذهبه من صاحبه الذي ابتاع منه فهذا لا بأس به وبهذا مضت السنة في بيع الرقيق قال أبو عمر قد مضى القول في عهدة الرقيق ولم يخف مالك - رحمه الله - أن يدخل في عهدة السنة معنى البيع والسلف لأن ذلك كالنادر وخافه فيمن شرط النقد في عهدة الثلاث فلم يجزه وكذلك في المواضعة. 1278- قال مالك ومن استأجر عبدا بعينه أو تكارى راحلة بعينها إلى أجل يقبض العبد أو الراحلة إلى ذلك الأجل فقد عمل بما لا يصلح لا هو قبض ما استكرى أو استأجر ولا هو سلف في دين يكون ضامنا على صاحبه حتى يستوفيه قال أبو عمر أما قوله لا يصلح التسليف في شيء بعينه فإن الأمة مجتمعة على أن السلف لا يكون في شيء بعينه وإنما التسليف في صفة معلومة لا يستكيل كيلا أو وزنا أو شيئا موصوفا مضمونا في الذمة إلى أجل معلوم وسنبين ذلك في باب السلم إن شاء الله عز وجل. وأما قوله إلا أن يقبض المسلف ما سلف فيه عند دفعه الذهب إلى صاحبه والمعنى في ذلك أن من اشترى شيئا بعينه لا يمكن قبضه رجعة واحدة وإنما يقبض شيئا بعد شيء في الرطب وما كان مثله أو كإجازة العبد أو الدابة فإنه لا يجوز أن يشتريه بدين إلى أجل أنه كالدين بالدين ولا يجوز أن يشتريه بنقد ولا يشرع في قبض ما يمكن قبضه أو قبض أصله الذي إليه ذهب وإليه يقصد إلى شراء منفعته كالإجارة لأنه إن لم يقبضه لم يؤمن عليه الهلاك قبل القبض فيكون البائع قد انتفع بالثمن من غير عوض وأنه أيضا يشبه البيع والسلف المنهي عنه ولا أعلم خلافا أنه لا يجوز شراء عين مرئية غير مأمون هلاكها بشرط تأخير قبضها إلى أجل لا يؤمن قبله ذهابها لأنه من بيوع الغرر المنهي عنها وقد أجمعوا أن من شرط بيع الأعيان تسليم المبيع إلى المبتاع بأثر عقد الصفقة فيه نقدا كان الثمن أو دينا إلا أن مالكا وربيعة وطائفة من أهل المدينة أجازوا بيع الجارية المرتفعة على شرط المواضعة ولم يجيزوا فيها النقد وأبى ذلك جمهور أهل العلم لما في ذلك من عدم التسليم إلى ما يدخله من الدين في الدين وسيأتي القول في ذلك عند ذكره - إن شاء الله تعالى ومن معنى هذا الباب - أيضا ما نذكره فيه كان بن القاسم لا يجيز عن أحد أن يأخذ من غريمه في دين له عليه ثمرا قد بدا صلاحه ولا سكنى دار ولا جارية يتواضع ويراه من باب الدين بالدين وكان أشهب يجيز ذلك ويقول ليس هذا من فسخ الدين بالدين وإنما الدين بالدين ما لم يشرع في أخذ شيء منه وهذا هو القياس ألا يكون دينا بدين إلا ما اعترف الدين طرفيه وكان الأبهري يقول القياس ما قاله أشهب وهو قول الكوفي والشافعي إذا قبض في الدين ما يبرئه إليه غريمه مما يقبض له مثله فقد خرج من الدين في الدين وفي ((المدونة)). قال مالك كان الناس يبتاعون اللحم بسعر معلوم فيأخذ المبتاع كل يوم وزنا معلوما والثمن إلى العطاء ولم ير الناس بذلك بأسا قال واللحم وكل ما يتبايعه الناس في الأسواق فهو كذلك وإن كان الثمن إلى أجل ولم يره من الدين بالدين وروى أبو زيد عن بن القاسم أن ذلك لا يجوز إلا فيما يخشى عليه الفساد إذا أخذ جميعه مثل الفاكهة. وأما القمح وما كان مثله فلا يجوز قال أبو عمر هذا لا يجوز عند الشافعي وجمهور العلماء لأن المتبايعين إذا تبايعا بدين وافترقا ولم يقبض المبتاع جميع ما ابتاعه فهو فيما لم يقبضه دين بدين وجملة قول مالك في هذا الباب أنه جائز عنده أن يسلم الرجل إلى الرجل في فاكهة في أوانها ولبن في أوانه أو لحم موصوف أو كباش موصوفه أو أرادب من قمح معلومة وما أشبه هذا كله على أن يشرع في قبض ما اشترى ويقبض في كل يوم شيئا معلوما ولا بأس عنده أن يتأخر النقد فيه إلى غير الأجل البعيد فإن لم يشرع في القبض كل يوم عندما سلف وكان في ذلك تأخير لم يجز أن يتأخر الثمن.
|